سورة غافر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (غافر)


        


{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8)}
{رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ} أي وعدتهم إياها فالمفعول الآخر مقدر والمراد وعدتهم دخولها، وتكرير النداء لزيادة الاستعطاف، وقرأ زيد بن علي. والأعمش «جنة عدن» بالإفراد وكذا في مصحف عبد الله {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وأزواجهم وَذُرّيَّاتِهِمْ} عطف على الضمير المنصوب في {أدخلهم} أي وأدخل معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتضاعف ابتهاجهم، وجوز الفراء. والزجاج العطف على الضمير في {التى وَعَدْتَّهُمْ} أي وعدتهم ووعدت من صلح إلخ فقيل: المراد بذلك الوعد العام. وتعقب بأنه لا يبقى على هذا للعطف وجه فالمراد الوعد الخاص بهم بقوله تعالى: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذريتهم} [الطور: 21] والظاهر العطف على الأول والدعاء بالادخال فيه صريح، وفي الثاني ضمني والظاهر أن المراد بالصلاح الصلاح المصحح لدخول الجنة وإن كان دون صلاح المتبوعين، وقرأ ابن أبي عبلة {أَخُوهُمْ صالح} بضم اللام يقال: صلح فهو صليح وصلح فهو صالح، وقرأ عيسى «ذريتهم» بالافراد {إِنَّكَ أَنتَ العزيز} أي الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور {الحكيم} الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور التي من جملتها ادخال من طلب ادخالهم الجنات فالجملة تعليل لما قبلها.


{وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)}
{وَقِهِمُ السيئات} أي العقوبات على ما روي عن قتادة، واطلاق السيئة على العقوبة لأنها سيئة في نفسها، وجوز أن يراد بها المعنى المشهور وهو المعاصي والكلام على تقدير مضاف أي وقهم جزاء السيآت أو تجوز بالسبب عن المسبب، وأيًا ما كان يتكرر هذا مع {وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} [غافر: 7] بل هو تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية والأخروية مطلقًا أو الدعاء الأول للمتبوعين وهذا للتابعين، وجوز أن يراد بالسيآت المعنى المشهور بدون تقدير مضاف ولا تجوز أي المعاصي أي وقهم المعاصي في الدنيا ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها وهو دعاء بالحفظ عن سبب العذاب بعد الدعاء بالحفظ عن المسبب وهو العذاب، وتعقب بأن الأنسل على هذا تقديم هذا الدعاء على ذاك {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ} أي يوم المؤاخذة {فَقَدْ رَحِمْتَهُ} ويقال على الوجه الأخير ومن تق السيآت يوم العمل أي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة وأيد هذا الوجه بأن المتبادر من يومئذ الدنيا لأن {إِذْ} تدل على المضي، وفيه منع ظاهر {وَذَلِكَ} إشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته أو إلى الوقاية المفهومة من فعلها أو إلى مجموعهما، وأمر التذكير على الاحتمالين الأولين وكذا أمر الافراد على الاحتمال الأخير ظاهر {هُوَ الفوز} أي الظفر {العظيم} الذي لا مطمع وراءه لطامع، هذا وإلى كون المراد بالذين تابوا الذين تابوا من الذنوب مطلقًا ذهب الزمخشري، وقال في السيآت على تقدير حذف المضاف هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها، وذكر أن الوقاية منها للتكفير أو قبول التوبة وأن هؤلاء المستغفر لهم تائبون صالحون مثل الملائكة في الطهارة وأن الاستغفار لهم نزلة الشفاعة وفائدته زيادة الكرامة والثواب فلا يضر كونهم موعودين المغفرة والله تعالى لا يخلف الميعاد، وتعقب بأنه لا فائدة في ذكر الرحمة والمبالغة فيها إذا كان المغفور له مثل الملائكة عليهم السلام في الطهارة وأي حاجة إلى الاستغفار فضلًا عن المبالغة، وأن ما قاله في السيآت لا يجوز فإن إسقاط عقوبة الكبيرة بعد التوبة واجب في مذهبه وما كان فعله واجبًا كان طلبه بالدعاء عبثًا قبيحًا عند المعتزلة، وكذا إسقاط عقوبة الصغيرة فلا يحسن طلبه بالدعاء، ولا يجوز أن يكون ذلك لزيادة منفعة لأن ذلك لا يسمى مغفرة، حكى هذا الطيبي عن الإمام ثم قال: فحينئذ يجب القول بأن المراد بالتوبة التوبة عن الشرك كما قال الواحدي فاغفر للذين تابوا عن الشرك واتبعوا سبيلك أي دينك الإسلام، فإن قلت لو لم يكن التوبة من المعاصي مرادًا لكان يكفي أن يقولوا: فاغفر للذين آمنوا ليطابق السابق، قلت: والله تعالى أعلم هو قريب من وضع المظهر موضع المضمر من غير اللفظ السابق وبيانه إن قوله تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْمًا فاغفر لِلَّذِينَ تَابُواْ} [غافر: 7] الآية جار مفصولا عن قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ} [غافر: 7] فالآية بيان لكيفية الاستغفار لا لحال المستغفر لهم، ووصفهم المميز يعرف بالذوق، وأما فائدة العدول عن المضمر وانه لم يقل: فاغفر لهم بل قيل: للذين تابوا فهي أن الملائكة كما عللوا الغفران في حق مفيض الخيرات جل شأنه بالعلم الشامل والرحمة الواسعة عللوا قابل الفيض أيضًا بالتوبة عن الشرك وإتباع سبيل الإسلام، فإن قلت: هذه التوبة إنما تصح في حق من سبق شركه على إسلامه دون من ولد مسلمًا ودام عليه، قلت: الآية نازلت في زمن الصحابة وجلهم انتقلوا من الشرك إلى الإسلام ولو قيل: فاغفر لمن لم يشرك لخرجوا فغلب الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سنن جميع الأحكام انتهى، ولعمري أن للبحث فيه مجالًا أي مجال.
وفي الكشف إنما اختار الزمخشري ما اختاره على ما قال الواحدي من أن التوبة عن الشرك لأن التوبة عند الاطلاق تنصرف إلى التوبة من الذنوب مطلقًا على أن فيه تكرارًا إذ ذاك لأن التائب عن الشرك هو المسلم، وقد فسر متبع السبيل في هذا القول به وإذا شرط حمله العرش ومن حوله عليهم السلام صلاح التابع وهو الذرية مع ما ورد من قوله تعالى: {بإيمان أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرّيَّتَهُمْ} [الطور: 21] فما بال المتبوع، وأنت تعلم أن الصلاح من أخص أوصاف المؤمن وكفاك دعاء إبراهيم ويوسف عليهما السلام في الإلحاق بالصالحين شاهدًا، وأما أنهم غير محتاجين إلى الدعاء فجوابه أنه لا يجب أن يكون للحاجة، ألا ترى إلى قولنا: اللهم صل على سيدنا محمد وما ورد فيه من الفضائل والمعلوم حصوله منه تعالى يحسن طلبه فإن الدعاء في نفسه عبادة ويوجب للداعي والمدعو له من الشرف ما لا يتقاعد عن حصول أصل الثواب، ثم إن الوقاية عن السيئات إن كانت عنى التفكير وقع الكلام في أن السيئات المكفرة ما هي ولا خفاء أن النصوص دالة على تكفير التوبة للسيئات كلها وأن الصغائر مكفرات ما اجتنبت الكبائر فلابد من تخصيصها به كما ذكر وإن كان معناها أن يعفى عنها ولا يؤاخذ بهما كما هو قول الواحدي ومختار الإمام ومن ائتم به فينبغي أن ينظر أن الوقاية في أي المعنيين أظهر وأن قوله تعالى: {وَمَن تَقِ السيئات يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} وما يفيده من المبالغة على نحو من أدرك مرعى الصمان فد أدرك.
وتعقيبه بقوله سبحانه: {وذلك هُوَ الفوز العظيم} في شأن المقصرين أظهر أو شأن المكفرين، ومن هذا التقرير قد لاح أن هذا الوجه ظاهر هذا السياق وأنه يوافق أصل الفريقين وليس فيه أنه سبحانه يعفو عن الكبائر بلا توبة أو لا يعفو فلا ينافي جوازه من أدلة أخرى إلى آخر ما قال وهو كلام حسن وإن كان في بعضه كحديث التكرار وكون الصلاح في الآية ما هو من أخص أوصاف المؤمن نوع مناقشة، وقد يرجح كون المراد بالتوبة التوبة من الذنوب مطلقًا دون التوبة عن الشرك فقط بأن المتبادر من{وَقِهِمْ عَذَابَ الجحيم} [غافر: 7] وق كل واحد منهم ذلك، ومن المعلوم أنه لابد من نفوذ الوعيد في طائفة من المؤمنين العاصين وتعذيهم في النار فيكون الدعاء بحفظ كل من المؤمنين من العذاب محرمًا.
وقد نصوا على حرمة أن يقال: اللهم اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم لذلك، ولا يلزم ذلك على كون الدعاء للتائبين الصالحين، وحمل الإضافة على العهد بأن يراد بعذاب الجحيم ما كان على سبيل الخلود لا يخفى حاله؛ والاعتراض بلزوم الدعاء علوم الحصول على كون المراد بالتوبة ذلك بخلاف ما إذا أريد بها التوبة عن الشرك فإنه لا يلزم ذلك إذ المعنى عليه فاغفر للذين تابوا عن الشرك ذنوبهم التي لم يتوبوا عنها وغفران تلك الذنوب غير معلوم الحصول قد علم جوابه مما في الكشف، على أن كون الغفران للتائب معلوم الحصول خلافًا أشرنا إليه أول السورة. نعم هذا اللزوم ظاهر في قولهم: {وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ} [غافر: 8] ونظير ذلك ما ورد في الدعاء إثر الأذان وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، وقد أجيب عن ذلك بغير ما أشير إليه أيضًا وهو أن سبق الوعد لا يستدعي حصول الموعود بلا توسط دعاء.
وبالجملة لا بأس بحمل التوبة على التوبة من الذنوب مطلقًا ولا يلزم من القول به القول بشيء من أصول المعتزلة فتأمل وأنصف وقوله تعالى:


{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10)}
{إِنَّ الذين كَفَرُواْ} شروع في بيان أحوال الكفال بعد دخول النار.
{يُنَادَوْنَ} وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي وقعوا فيما وقعوا باتباع هواها حتى أكلوا أناملهم من المقت كما أخرج ذلك عبد بن حميد عن الحسن.
وفي بعض الآثار أنهم يمقتون أنفسهم حين يقول لهم الشيطان: {فلا َتلُومُونِى وَلُومُواْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22] وقيل: يمقتونها حين يعلمون أنهم من أصحاب النار، والمنادي الخزنة أو المؤمنون يقولون لهم إعظامًا لحسرتهم: {لَمَقْتُ الله أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} وهذا معمول للنداء لتضمنه معنى القول كأنه قيل ينادون مقولًا لهم لمقت إلخ أو معمول لقول مقدر بفاء التفسير أي ينادون فيقال لهم: لمقت الخ، وجعله معمولًا للنداء على حذف الجار وإيصال الفعل بالجملة ليس بشيء، و{مقت} مصدر مضاف إلى الاسم الجليل إضافة المصدر لفاعله، وكذا إضافة المقت الثاني إلى ضمير الخطاب.
وفي الكلام تنازع أو حذف معمول الأول من غير تنازل أي لمقت الله إياكم أو أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، واللام للابتداء أو للقسم، والمقت أشد البغض؛ والخلف يؤولونه مسندًا إليه تعالى بأشد الإنكار.
{يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ} أي إذ يدعوكم الأنبياء ونوابهم {إِلَى الإيمان} فتأبون قبوله {فَتَكْفُرُونَ} وهذا تعليل للحكم أو للمحكوم به فإذ متعلقة بأكبر وكان التعبير بالمضارع للإشارة إلى الاستمرار التجددي كأنه قيل: لمقت الله تعالى أنفسكم أكبر من مقتكم إياها لأنكم دعيتم مرة بعد مرة إلى الايمان فتكرر منكم الكفر، وزمان المقتين واحد على ما هو المتبادر وهو زمان مقتهم أنفسهم الذي حكيناه آنفًا.
ويجوز أن يكون تعليلًا لمقتهم أنفسهم وإذ متعلق قت الثاني فهم مقتوا أنفسهم لأنهم دعوا مرارًا إلى الايمان فكفروا، والتعبير بالمضارع كما في الوجه السابق، وزمان المقتين كذلك، والعلة في الحقيقة إصرارهم على الكفر مع تكرر دعائهم إلى الايمان، وجوز أن يكون تعليلًا لمقت الله و{إِذْ} متعلقة به، ويعلم مما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى ما عليه وما له، وظاهر صنيع جماعة من الأجلة اختيار كون {إِذْ} ظرفية لا تعليلية فقيل: هي ظرف لمقت الأول، والمعنى لمقت الله تعالى أنفسكم في الدنيا إذ تدعون إلى الايمان فتكفرون أشد من مقتكم إياها اليوم وأنتم في النار أو وأنتم متحققون إنكم من أصحابها فزمان المقتين مختلف، وكون زمان الأول الدنيا وزمان الثاني الآخرة مروي عن الحسن، وأخرجه عبد بن حميد. وابن المنذر عن مجاهد، واعترض عليه غير واحد بلزوم الفصل بين المصدر وما في صلته بأجنبي هو الخبر، وفي أمالي ابن الحاجب لا بأس بذلك لأن الظروف متسع فيها، وقيل: هي لمصدر آخر يدل عليه الأول أو لفعل يدل عليه ذلك كما في البحر.
وفي الكشف فيه أن المقدر لابد له من جزاآت أن استقل ويتسع الخرق وإن جعل بدلًا فحذفه وأعمال المصدر المحذوف لا يتقاعد عن الفصل بالخبر وليس أجنبيًا من كل وجه؛ وتقدير الفعل أي مقتكم الله إذ تدعون أبعد وأبعد، وقيل: هي ظرف لمقت الثاني. واعترض بأنهم لم يمقتوا أنفسهم وقت الدعوة بل في القيامة.
وأجيب بأن الكلام على هذا الوجه من قبيل قول الأمير كرم الله تعالى وجهه: إنما أكلت يوم أكل الثور الأحمر وقو لعمرو بن عدس التميمي لمطلقته دختنوس بنت لقيط وقد سألته لبنًا وكانت مقفرة من الزاد: الصيف ضيعت اللبن وذلك بأن يكون مجازًا بتنزيل وقوع السبب وهو كفرهم وقت الدعوة منزلة وقوع المسبب وهو مقتهم لأنفسهم حين معاينتهم ما حل بهم بسببه، وقيل: إن المراد عليه إذ تبين أنكم دعيتم إلى الايمان المنجي والحق الحقيق بالقبول فأبيتم أو أن المراد بأنفسهم جنسهم من المؤمنين فإنهم كانوا يمقتون المؤمنين في الدنيا إذ يدعون إلى الايمان وهو أبعد التأويلات؛ وقال لمكي: {إِذْ} معمولة لا ذكروا مضمرًا والمراد التحير والتنديم واستحسنه بعضهم وأراه خلاف المتبادر. وادعى صاحب الكشف أن فيه تنافرًا بينًا وعلله بما لم يظهر لي وجهه فتأمل.
وتفسير {مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ} قت كل واحد نفسه هو الظاهر، وجوز أن يراد به مقت بعضهم بعضًا فقيل: إن الاتباع يمقتون الرؤساء لما ورطوهم فيه من الكفر والرؤساء يمقتون الاتباع لما أنهم اتبعوهم فحملوا أوزارًا مثل أوزارهم فلا تغفل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8